فصل: تفسير الآيات (1- 4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (62- 75):

{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)}
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ} أن من قدر عليها قدر على النشأة الأخرى فإنها أقل صنعاً لحصول المواد وتخصيص الاجزاء وسبق المثال، وفيه دليل على صحة القياس.
{أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ} تبذرون حبه.
{أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ} تنبتونه. {أَمْ نَحْنُ الزرعون} المنبتون.
{لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حطاما} هشيماً. {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} تعجبون أو تندمون على اجتهادكم فيه، أو على ما أصبتم لأجله من المعاصي فتتحدثون فيه، والفكه التنقل بصنوف الفاكهة وقد استعير للتنقل بالحديث، وقرئ: {فَظَلْتُمْ} بالكسر و{فظللتم} على الأصل.
{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} لملزمون غرامة ما أنفقنا، أو مهلكون لهلاك رزقنا من الغرام، وقرأ أبو بكر {أئنا لمغرمون} على الاستفهام.
{بَلْ نَحْنُ} قوم. {مَحْرُومُونَ} حرمنا رزقنا، أو محدودون لا مجدودون.
{أَفَرَءيْتُمُ الماء الذي تَشْرَبُونَ} أي العذب الصالح للشرب.
{ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن} من السحاب واحده مزنة، وقيل: {المزن} السحاب الأبيض وماؤه أعذب. {أَمْ نَحْنُ المنزلون} بقدرتنا والرؤية إن كانت بمعنى العلم فمتعلقة بالاستفهام.
{لَوْ نَشَاءُ جعلناه أُجَاجاً} ملحاً أو من الأجيج فإنه يحرق الفم، وحذف اللام الفاصلة بين جواب ما يتمحض للشرط وما يتضمن معناه لعلم السامع بمكانها، أو الاكتفاء بسبق ذكرها أو يختص ما يقصد لذاته ويكون أهم وفقده أصعب بمزيد التأكيد. {فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} أمثال هذه النعم الضرورية.
{أَفَرَءيْتُمُ النار التي تُورُونَ} تقدحون.
{ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المنشئون} يعني الشجرة التي منها الزناد.
{نَحْنُ جعلناها} جعلنا نار الزناد. {تَذْكِرَةً} تبصرة في أمر البعث كما مر في سورة {يس}، أو في الظلام أو تذكيراً وأنموذجاً لنار جهنم. {ومتاعا} ومنفعة. {لّلْمُقْوِينَ} الذين ينزلون القواء وهي القفر، أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام، من أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها.
{فَسَبّحْ باسم رَبّكَ العظيم} فأحدث التسبيح بذكر اسمه تعالى أو بذكره فإن إطلاق اسم الشيء ذكره والعظيم صفة للاسم أو الرب، وتعقيب الأمر بالتسبيح لما عدد من بدائع صنعه وإنعامه إما لتنزيهه تعالى عما يقول الجاحدون لوحدانيته الكافرون لنعمته، أو للتعجب من أمرهم في غمط نعمه، أو للشكر على ما عدها من النعم.
{فَلاَ أُقْسِمُ} إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم، أو فأقسم و{لا} مزيدة للتأكيد كما في {لّئَلاَّ يَعْلَمَ} أو فلأنا أقسم فحذف المبتدأ وأشبع فتحة لام الابتداء، ويدل عليه قراءة {فَلاَ أُقْسِمُ} أو {فَلا} رد لكلام يخالف المقسم عليه. {بمواقع النجوم} بمساقطها، وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره، أو بمنازلها ومجاريها. وقيل النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها، وقرأ حمزة والكسائي بموقع.

.تفسير الآيات (76- 96):

{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)}
{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} لما في المقسم به من الدلالة على عظم القدرة وكمال الحكمة وفرط الرحمة، ومن مقتضيات رحمته أن لا يترك عباده سدى، وهو اعتراض في اعتراض فإنه اعتراض بين القسم والمقسم عليه، و{لَّوْ تَعْلَمُونَ} اعتراض بين الموصوف والصفة.
{إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ} كثير النفع لاشتماله على أصول العلوم المهمة في إصلاح المعاش والمعاد، أو حسن مرضي في جنسه.
{فِى كتاب مَّكْنُونٍ} مصون وهو اللوح المحفوظ.
{لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون} لا يطلع على اللوح إلا المطهرون من الكدورات الجسمانية وهم الملائكة، أو لا يمس القرآن {إِلاَّ المطهرون} من الأحداث فيكون نفياً بمعنى النهي، أو لا يطلبه {إِلاَّ المطهرون} من الكفر، وقرئ: {المتَطَهِرُونَ} و{المطهرون} من أطهره بمعنى طهره و{المطهرون} أي أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم والإِلهام.
{تَنزِيلٌ مّن رَّبّ العالمين} صفة ثالثة أو رابعة للقرآن، وهو مصدر نعت به وقرئ بالنصب أي نزل تنزيلاً.
{أفبهذا الحديث} يعني القرآن. {أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ} متهاونون به كمن يدهن في الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاوناً به.
{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي شكر رزقكم. {أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ} أي بمانحه حيث تنسبونه إلى الأنواء، وقرئ: {شكركم} أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به وتكذبون أي بقولكم في القرآن أنه سحر وشعر، أو في المطر أنه من الأنواء.
{فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم} أي النفس.
{وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} حالكم، والخطاب لمن حول المحتضر والواو للحال.
{وَنَحْنُ أَقْرَبُ} أي ونحن أعلم. {إِلَيْهِ} إلى المحتضر. {مّنكُمْ} عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى سبب الاطلاع. {ولكن لاَّ تُبْصِرُونَ} لا تدركون كنه ما يجري عليه.
{فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} أي مجزيين يوم القيامة أو مملوكين مقهورين من دانه إذا أذله واستعبده، وأصل التركيب للذل والانقياد.
{تَرْجِعُونَهَا} ترجعون النفس إلى مقرها وهو عامل الظرف والمحضض عليه ب {فَلَوْلا} الأولى والثانية تكرير للتوكيد وهي بما في حيزها دليل جواب الشرط، والمعنى إن كنتم غير مملوكين مجزيين كما دل عليه جحدكم أفعال الله وتكذيبكم بآياته. {إِن كُنتُمْ صادقين} في أباطيلكم {فَلَوْلا} ترجعون الأرواح إلى الأبدان بعد بلوغها الحلقوم.
{فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المقربين} أي إن كان المتوفى من السابقين.
{فَرَوْحٌ} فله استراحة وقرئ: {فَرَوْحٌ} بالضم وفسر بالرحمة لأنها كالسبب لحياة المرحوم وبالحياة الدائمة. {وَرَيْحَانٌ} ورزق طيب. {وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} ذات تنعم.
{وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أصحاب اليمين فسلام لَّكَ} يا صاحب اليمين. {مِنْ أصحاب اليمين} أي من إخوانك يسلمون عليك.
{وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضالين} يعني أصحاب الشمال، وإنما وصفهم بأفعالهم زجراً عنها وإشعاراً بما أوجب لهم ما أوعدهم به.
{فَنُزُلٌ مّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} وذلك ما يجد في القبر من سموم النار ودخانها.
{إِنَّ هَذَا} أي الذي ذكر في السورة أو في شأن الفرق. {لَهُوَ حَقُّ اليقين} أي حق الخبر اليقين.
{فَسَبّحْ باسم رَبّكَ العظيم} فنزهه بذكر اسمه تعالى عما لا يليق بعظمه شأنه.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً».

.سورة الحديد:

مدنية وقيل مكية وآيها تسع وعشرون آية.

.تفسير الآيات (1- 4):

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)}
{سَبَّحَ للَّهِ مَا في السموات والأرض} ذكر هاهنا وفي (الحشر) و(الصف) بلفظ الماضي، وفي (الجمعة) و(التغابن) بلفظ المضارع إشعاراً بأن من شأن ما أسند إليه أن يسبحه في جميع أوقاته، لأنه دلالة جِبِلِّية لا تختلف باختلاف الحالات، ومجيء المصدر مطلقاً في (بني إسرائيل) أبلغ من حيث إنه يشعر بإطلاقه على استحقاق التسبيح من كل شيء وفي كل حال، وإنما عدي باللام وهو متعد بنفسه مثل نصحت له في نصحته إشعاراً بأن إيقاع الفعل لأجل الله وخالصاً لوجهه. {وَهُوَ العزيز الحكيم} حال يشعر بما هو المبدأ للتسبيح.
{لَّهُ مُلْكُ السموات والأرض} فإنه الموجد لها والمتصرف فيها. {يُحْيِي وَيُمِيتُ} استئناف أو خبر لمحذوف {وَهُوَ على كُلّ شَئ} من الإِحياء والإِماتة وغيرهما. {قَدِيرٌ} تام القدرة.
{هُوَ الأول} السابق على سائر الموجودات من حيث إنه موجدها ومحدثها. {والآخر} الباقي بعد فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها، أو {هُوَ الأول} الذي تبتدئ منه الأسباب وتنتهي إليه المسببات، أو {الأول} خارجاً و{الآخر} ذهناً. {والظاهر والباطن} الظاهر وجوده لكثرة دلائله والباطن حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول، أو الغالب على كل شيء والعالم بباطنه والواو الأولى والأخيرة للجمع بين الوصفين، والمتوسطة للجمع بين المجموعين. {وَهُوَ بِكُلّ شَئ عَلِيمٌ} يستوي عنده الظاهر والخفي.
{هُوَ الذي خَلَقَ السموات والأرض في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش يَعْلَمُ مَا يَلِجُ في الأرض} كالبذور. {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} كالزروع. {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء} كالأمطار. {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} كالأبخرة. {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ} لا ينفك علمه وقدرته عنكم بحال. {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيكم عليه، ولعل تقديم الخلق على العلم لأنه دليل عليه.

.تفسير الآيات (5- 10):

{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)}
{لَّهُ مُلْكُ السموات والأرض} ذكره مع الإِعادة كما ذكره مع الإِبداء لأنه كالمقدمة لهما. {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور}.
{يُولِجُ اليل في النهار وَيُولِجُ النهار في اليل وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} بمكنوناتها.
{آمِنُوا بالله وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها فهي في الحقيقة له لا لكم، أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تملكها والتصرف فيها، وفيه حث على الإِنفاق وتهوين له على النفس. {فالذين ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} وعد فيه مبالغات جعل الجملة اسمية وإعادة ذكر الإِيمان والإِنفاق وبناء الحكم على الضمير وتنكير الأجر ووصفه بالكبر.
{وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بالله} أي وما تصنعون غير مؤمنين به كقولك: مالك قائماً. {والرسول يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبّكُمْ} حال من ضمير تؤمنون، والمعنى أي عذر لكم في ترك الإِيمان والرسول يدعوكم إليه بالحجج والآيات. {وَقَدْ أَخَذَ ميثاقكم} أي وقد أخذ الله ميثاقكم بالإِيمان قبل ذلك بنصب الأدلة والتمكين من النظر، والواو للحال من مفعول {يَدْعُوكُمْ}، وقرأ أبو عمرو وعلى البناء للمفعول ورفع {ميثاقكم}. {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} لموجب ما فإن هذا موجب لا مزيد عليه.
{هُوَ الذي يُنَزّلُ على عَبْدِهِ ءايات بينات لّيُخْرِجَكُمْ} أي الله أو العبد. {مِنَ الظلمات إِلَى النور} من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان. {وَإِنَّ الله بِكُمْ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ} حيث نبهكم بالرسول والآيات ولم يقتصر على ما نصب لكم من الحجج العقلية.
{وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ} وأي شيء لكم في {أَلاَّ تُنفِقُواْ}. {فِى سَبِيلِ الله} فيما يكون قربة إليه. {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السموات والأرض} يرث كل شيء فيهما فلا يبقى لأحد مال، وإذا كان كذلك فإنفاقه بحيث يستخلف عوضاً يبقى وهو الثواب كان أولى. {لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وقاتل أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً} بيان لتفاوت المنفقين باختلاف أحوالهم من السبق وقوة اليقين، وتحري الحاجات حثاً على تحري الأفضل منها بعد الحث على الإِنفاق، وذكر القتال للاستطراد وقسيم من أنفق محذوف لوضوحه ودلالة ما بعده عليه، و{الفتح} فتح مكة إذ عز الإِسلام به وكثر أهله وقلت الحاجة إلى المقاتلة والإِنفاق. {مّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ} أي من بعد الفتح. {وقاتلوا وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى} أي وعد الله كلا من المنفقين المثوبة الحسنى وهي الجنة. وقرأ ابن عامر {وكُلٌ} بالرفع على الابتداء أي وكل وعده الله ليطابق ما عطف عليه. {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} عالم بظاهره وباطنه فيجازيكم على حسبه، والآية نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه فإنه أول من آمن وأنفق في سبيل الله وخاصم الكفار حتى ضرب ضرباً أشرف به على الهلاك.